تعد مسالة تنفيذ الاحكام الاجنبية في العراق موضوعا محوريا في مجال التعاون القضائي الدولي، حيث اشار القانون العراقي الى معالجة هذه القضية بشكل قانوني من خلال تشريعاته الداخلية واتفاقياته الدولية. كان من ابرز التشريعات التي نظم بها العراق هذه المسالة هو قانون تنفيذ احكام المحاكم الاجنبية في العراق رقم 30 لسنة 1982، الذي وضع الاطار القانوني لتنفيذ الاحكام الصادرة عن محاكم اجنبية داخل العراق.
الحكم الاجنبي
عرف القانون العراقي الحكم الاجنبي بانه الحكم الصادر من محكمة مؤلفة خارج العراق تعرف بالمحكمة الاجنبية والمحكمة الاجنبية هي المحكمة التي اصدرت هذا الحكم كما جاء في نص المادة (1) من القانون. ان القانون اجاز تنفيذ الحكم الصادر من محكمة مؤلفة خارج العراق (الحكم الاجنبي) وفقا لاحكام هذا القانون وذلك من بقرار يصدر من محكمة عراقية يسمى (قرار التنفيذ) وحسب نص المادة (2) من القانون اعلاه.
الية تنفيذ الحكم الاجنبي
تتم الية تنفيذ الاحكام الاجنبية داخل العراق من خلال تقديم طلب تنفيذي الى محكمة البداءة في العراق، وهي المحكمة المختصة بالنظر في تنفيذ الاحكام الاجنبية. يجب على مقدم الطلب ان يقدم نسخة من الحكم الاجنبي مصدقة وفق الاصول مع بيان الاسباب الواردة فيه ومبررات طلب التنفيذ. وتُرفع الدعوى امام المحكمة التي تختص بمكان اقامة المحكوم عليه في العراق، او امام المحكمة التي توجد بها اموال المحكوم عليه في حال عدم وجود محل اقامة ثابت له.
وبعد رفع الدعوى، تقوم المحكمة العراقية باجراء التحقيقات اللازمة، بما في ذلك تبليغ المحكوم عليه بالحكم الاجنبي، سواء كان داخل العراق او خارجه. اذا اكملت المحكمة جميع اجراءات المرافعة والتحقيق، تصدر المحكمة حكما يقضي اما بتنفيذ الحكم الاجنبي او برفضه، ويجب ان يكون هذا القرار مبنيا على مطابقة الحكم الاجنبي للقوانين العراقية.
اجراءات المحكمة عن السير بالدعوى
عند اللجوء الى القضاء واقامة الدعوى للمطالبة باصدار قرار تنفيذي تعين المحكمة موعدا للمرافعة وتقوم المحكمة بتبليغ المحكوم بالدعوى سواء كان في العراق او خارج العراق ويتم تبليغه بشكل اصولي .
تستكمل المحكمة اجراءاتها في الدعوى وتحقيقاتها وبعد اكمال المرافعات تصدر المحكمة قرارها في الدعوى اما برفض الطلب او تصدر قرارها بالحكم بالتنفيذ وهذا مانصت عليه المواد (٤ و ٥) من القانون انف الذكر.
الشروط الواجب توفرها في الحكم الاجنبي المراد اصدار قرار بتنفيذه
كل حكم يتم تقديمه الى المحكمة لغرض الحصول على حكم التنفيذ يجب ان يكون مستوفيا للشروط الوارد في المادة (6) من القانون وتنظر المحكمة من تلقاء نفسها في توافر هذه الشروط سواء تم الدفع بها امام المحكمة ام لا وهذه الشروط هي:
- اجراءات التبليغ القانونية: يجب ان يكون المحكوم عليه قد تم تبليغه بالحكم الاجنبي وفقا للطريقة القانونية المعترف بها في البلد الذي صدر فيه الحكم.
- صلاحية المحكمة الاجنبية: يجب ان تكون المحكمة التي اصدرت الحكم الاجنبي مختصة نوعيا ومكانيا. وفقا للمادة (7) من القانون، حسب الشروط ادناه:
- يجب ان تكون الدعوى متعلقة باموال منقولة وغير منقولة في البلاد الاجنبية .
- يجب ان تكون الدعوى ناشئة عن عقد تم توقيعه في البلاد الاجنبية او كان القصد تنفيذه كله او قسما منه هناك.
- ان تكون الدعوى ناشئة عن اعمال وقعت كلها او جزء منها في البلاد الاجنبية.
- ان يكون المحكوم عليه مقيما في البلاد الاجنبية او يعمل في مجال التجارة بتاريخ اقامة الدعوى
- ان يكون المحكوم عليه قد حضر للدعوى بارادته الشخصية وباختياره .
- ان يكون المحكوم عليه قد وافق في دعواه على القرار الذي اصدرته المحكمة الاجنبية
- ان يكون الحكم مدنيا: يجب ان يكون الحكم الاجنبي متعلقا بدين او مبلغ من النقود او تعويض مدني فقط في حال كانت القضية جزائية.
- توافقه مع النظام العام العراقي: يجب ان لا يكون الحكم الاجنبي مخالفا للنظام العام العراقي او مخالفا لمبادئ العدالة السائدة في العراق.
- حصول الحكم على الصفة التنفيذية في الدولة الاجنبية: يجب ان يكون الحكم الاجنبي قد اكتسب صفة التنفيذ في الدولة التي صدر فيها، وهو ما يعني انه يجب ان يكون الحكم قد اجتاز جميع مراحل التقاضي في البلد الاجنبي ليصبح نافذا.
استقرت محكمة التمييز الاتحادية في قرارها الصادر بالحكم المرقم 10023/الهيئة المدنية/2024 بتاريخ 28/10/2024 الذي تضمن المبدا الاتي (يجب ان يكون الحكم الاجنبي المراد تنفيذه في العراق حكما مدنيا متعلقا بدين او مبلغ معين من النقود او كون المحكوم به تعويضا مدنيا فقط اذا كان الحكم الاجنبي صادرا في دعوى جزائية ). القرارات التي تصدرها المحكمة غيابيا تكون تابعة لنفس الاحكام المتعلقة بالاعتراض وتكون قابلة للطعن تمييزا امام محكمة التمييز فقط.
الاجراءات المطبقة على تنفيذ الحكم الاجنبي
تخض الاحكام الاجنبية القابلة للتنفيذ في العراق ووفقا لقانون تنفيذ الاحكام الاجنبية في اجراءاتها الى قانون التنفيذ العراقي رقم 45 لسنة 1980 المعدل وحسب مانصت عليه المادة (3) من قانون التنفيذ. على الرغم من ان قانون تنفيذ الاحكام الاجنبية في العراق يحدد اجراءات دقيقة لتنفيذ الاحكام الاجنبية، الا ان هناك بعض الاستثناءات التي تستثني بعض الاحكام من هذا الاجراء المعقد. من ابرز هذه الاستثناءات تلك الاحكام الصادرة من دول وقعت على الاتفاقية العربية للتعاون القضائي.
الاستثناءات في تنفيذ الاحكام الاجنبية
على الرغم من ان قانون تنفيذ الاحكام الاجنبية في العراق يحدد اجراءات دقيقة لتنفيذ الاحكام الاجنبية، الا ان هناك بعض الاستثناءات التي تستثني بعض الاحكام من هذا الاجراء المعقد. من ابرز هذه الاستثناءات تلك الاحكام الصادرة من دول وقعت على الاتفاقية العربية للتعاون القضائي والمصدق عليها بالقانون رقم 110 لسنة 1983. فاذا كان الحكم صادر من احدى هذه الدول فيكون قابلا للتنفيذ في العراق دون الحاجة الى اللجوء الى المحاكم لاصدار حكم قضائي بالتنفيذ من محكمة عراقية وذلك لان العراق هو احد الدول الاعضاء في الاتفاقية اعلاه . واستقر قضاء محكمة التمييز الاتحادية على هذا المبدا في العديد من قرارته.
الاتفاقية العربية للتعاون القضائي
تم التوقيع على هذه الاتفاقية بين الدول العربية، ومن بينها العراق، بموجب القانون رقم 110 لسنة 1983. وفقا لهذه الاتفاقية، تعد الاحكام القضائية الصادرة عن محاكم الدول الاعضاء في الاتفاقية قابلة للتنفيذ في العراق مباشرة، دون الحاجة الى اتخاذ اجراءات تنفيذية امام المحاكم العراقية. يعد هذا التسهيل القضائي جزءا من الجهود العربية المشتركة لتعزيز التعاون بين الدول العربية في مجال تطبيق الاحكام القضائية وتنفيذها. وهذه الاتفاقية تساهم في تعزيز التجارة الدولية والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الدول الاعضاء، حيث تتيح للافراد والشركات في هذه الدول تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة من دول اخرى دون الحاجة الى اتخاذ اجراءات قانونية معقدة.
الاحكام القضائية المتعلقة بتنفيذ الاحكام الاجنبية
استقر القضاء العراقي على العديد من المبادئ القضائية المتعلقة بتنفيذ الاحكام الاجنبية. على سبيل المثال، في القرار المرقم 10023/الهيئة المدنية/2024 الصادر عن محكمة التمييز الاتحادية، تم التاكيد على ان الحكم الاجنبي يجب ان يتعلق بدين او مبلغ مالي معين او ان يكون حكما بتعويض مدني في حالة كانت القضية جزائية. كما اكدت محكمة التمييز على ضرورة ان يكون الحكم الاجنبي غير مخالف للنظام العام العراقي.
الطعن في القرارات الصادرة بتنفيذ الاحكام الاجنبية
في حال صدور قرار من المحكمة العراقية برفض طلب تنفيذ الحكم الاجنبي، يمكن للاطراف المتضررة الطعن في القرار امام محكمة التمييز الاتحادية. اذا كانت المحاكمة قد جرت غيابيا، يجوز ايضا للطعن في القرار وفقا للاجراءات القانونية المعتمدة.
الاستنتاج
يعد تنفيذ الاحكام الاجنبية في العراق جزءا اساسيا من العلاقات القضائية الدولية التي تساهم في تسوية المنازعات عبر الحدود. ولقد عمل القانون العراقي على تنظيم هذه العملية من خلال التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية مثل الاتفاقية العربية للتعاون القضائي، ما يسهل تبادل التنفيذ بين الدول. يتطلب تنفيذ الاحكام الاجنبية في العراق توفر مجموعة من الشروط التي تضمن العدالة وحماية الحقوق، مع ضمان عدم تعارض الاحكام مع النظام العام العراقي.