رفع العراق من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF)

 ما هي مجموعة العمل المالي (FATF) وما هي القائمة السوداء لهذه المجموعة؟

تقوم فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية الدولية “FATF” بإدراج الولايات القضائية أو البلدان عالية المخاطر في القائمة السوداء بسبب أوجه القصور في استراتيجية أنظمتها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويتم تحديث هذه القائمة دائمًا. وهي تشمل البلدان التي اعتبرتها فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية غير متعاونة في الحرب العالمية ضد غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وتطلق عليها اسم “البلدان أو الأقاليم غير المتعاونة”. على الرغم من أن عدم ظهورها في القائمة السوداء كان يُنظر إليه على أنه علامة على الموافقة على المراكز المالية الخارجية أو “استقطاع الضرائب” التي يتم تنظيمها بشكل جيد بما يكفي لتلبية جميع معايير مجموعة العمل المالي.

لماذا تم وضع العراق على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي؟

تم إدراج البنك المركزي العراقي على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF) ويعتبر نوع من العقوبات أو القيود المفروضة على البلاد لأنه يعتبر من الدول التي لديها أنظمة مالية ضعيفة تجاه مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وقد تم إدراج العراق على القائمة السوداء في عام 2016. وسبب هذا القرار هو أن المنظمة لديها بعض التحفظات بشأن التمويل الذي قدمه لها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق (داعش)، وكان الغرض من هذا القرار هو تسليط الضوء على أهمية التنفيذ الصارم لمعايير مجموعة العمل المالي (FATF) تعطيل ومنع تنظيم (داعش) من أجل محاربة التهديد الذي يشكله (التنظيم الإرهابي)، وكذلك موضوع مزاد العملة قد يكون سبباً آخر للتصنيف الأوروبي، لأن البنوك تشارك في مزاد العملة ونقلها من الأموال الكبيرة خارج العراق، وهذا احتمال لمسألة غسيل الأموال، خاصة أن البنوك المشاركة في مزاد العملة لا تقدم خدمات مصرفية للعراقيين ويقتصر نشاطها على الربح من مزاد العملة.

اضافة الى ذلك، لم يسلط البنك المركزي العراقي “CBI” الضوء على عمليات غسيل الاموال وتمويل الارهاب من قبل الشركات والمصارف وشركات الصرافة بالشكل المطلوب من قبل الجهات الرقابية، واقتصر على اجراءات معينة لم تكن كافية لمجموعة العمل المالي. ، بعد ذلك عمل البنك المركزي العراقي بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة على رفع مستوى العمل لتنفيذ كافة متطلبات رفع الدول من القائمة السوداء، وتكثيف الجهود والإجراءات الرقابية والتنظيمية على البنوك العراقية والمصارف الأجنبية العاملة في العراق، إلى جانب لشركات الصرافة التي قام البنك المركزي العراقي بإعادة تصنيفها ودمجها لتقليل أعدادها والسيطرة عليها إدارياً وتنظيمياً أكثر من ذي قبل.

آثار هذا القرار على العراق

ويعتمد اقتصاد العراق بشكل رئيسي على النقد وقطاعه المالي الذي يعاني من التخلف الشديد. ويوجد في العراق حوالي 2000 مؤسسة مالية، معظمها شركات صرافة. ورغم أن القانون العراقي يحظر على هذه الجهات تحويل الأموال خارج العراق، إلا أنه من الممكن أن تتم بعض التحويلات عبر الحدود. وعلى الرغم من صدور قانون مكافحة غسل الأموال عامي 2004 و2015؛ ومع ذلك، فإن الاستخدام غير القانوني لبعض شبكات صرف العملات وضعف قدرات الامتثال لدى القطاع المصرفي يجعل القطاع المالي العراقي عرضة لإساءة الاستخدام. وتعني القيود الجديدة استمرار التحويلات المالية من وإلى العراق مع سلسلة من عمليات التدقيق وطلب الأدلة القانونية على التحويل ومصدر التمويل والغرض منه، مما يعطل تدفق الأموال اللازمة لتنمية الاستثمارات في العراق، الأمر الذي ويجعل من الصعب على المستثمرين العراقيين والأوروبيين العمل في البلد الذي يعاني بالفعل من أزمة مالية؛ وبالتالي فإن التحويلات المالية إلى العراق ستخضع لشروط قاسية وأكثر بيروقراطية، مما سيرفع تكاليف التحويل وتكاليف الائتمان. الشركات التي ترغب بالاستثمار في أي دولة تأخذ المعلومات المالية والأمنية من حكوماتها، وهذا يعني أن الاستثمارات في العراق ستكون صعبة وربما غير ممكنة إذا أبلغت حكومات الاتحاد الأوروبي شركاتها بوضع العراق لأنه، وبحسب قوانين الاتحاد الأوروبي، فإن البنوك والشركات المالية الأخرى وشركات الضرائب ملزمة بمزيد من التدقيق تجاه عملائها الذين لديهم تعاملات مع الدول المدرجة في القائمة السوداء.

ونتيجة لإدراج العراق في القائمة، سيتعين على البنوك والشركات بجميع أنواعها والكيانات الأخرى المشمولة بقواعد مكافحة غسل الأموال في الاتحاد الأوروبي تطبيق ضوابط متزايدة على العمليات المالية التي تشمل العملاء والمؤسسات المالية من هذه “المستويات المرتفعة”. “المخاطر” من أجل تحديد أي تدفقات “مالية مشبوهة”.

رفع العراق من القائمة السوداء

وفي عام 2019، بدأ البنك المركزي العراقي العمل على تعزيز نظام الالتزام ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما بدأ عملية تقييم مشتركة خلال عام 2012 لتقييم نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والذي كان يعمل وفق أحكام النظام الأساسي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. لأحكام قانون مكافحة غسل الأموال رقم 93 لسنة 2004 (النافذ آنذاك والملغى حاليا)، وبناء على نتائج التقرير المقدم من الخبراء المقيمين آنذاك، تم إدراج جمهورية العراق في المنطقة الرمادية القائمة، نتيجة تحديد أوجه القصور الاستراتيجية في ذلك النظام؛ لذلك اتخذ العراق سلسلة من الإجراءات التصحيحية لنظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح لضمان التزامه بالمعايير والتوصيات الدولية، وكان من أهم هذه الإجراءات:

  • صدور قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 39 لسنة 2015 والنافذ حاليا والذي يعتبر من أحدث القوانين في المنطقة المتوافقة مع المعايير الدولية.
  • إنشاء مجلس ومكتب لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومنحه الاستقلال الإداري والمالي الكامل وصلاحية تلقي التقارير وتحليلها وإحالتها إلى القضاء.
  • تشكيل لجنة لتجميد أموال الإرهابيين عام 2016 وتكون في الأمانة العامة لمجلس الوزراء وفقا للائحة رقم 6 لسنة 2016 بموجب قراري مجلس الأمن رقم 1267 و1373 برئاسة نائب محافظ الجمهورية اليمنية. البنك المركزي العراقي وعضوية ممثلي الوزارات.
  • الانضمام والتصديق على الاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب وغسل الأموال.
  • عقد اتفاقيات ثنائية مع الدول لتبادل المعلومات فيما يتعلق باسترداد الأموال والأشخاص.
  • التقييم والتقارير الدورية التي تخضع لها البنوك.
  • دورات تدريبية متخصصة للعاملين في المؤسسات المالية

الدور الجديد للبنك المركزي العراقي للامتثال لقواعد مجموعة العمل المالي

أصدر البنك المركزي العراقي مجموعة من التعليمات للمؤسسات المالية وهي: قواعد العناية الواجبة، اتباع سياسة الإبلاغ، إصدار الدليل الحكومي، اتباع آلية تصنيف العملاء على أساس المخاطر، دليل العمل الإرشادي، مصادر المعلومات أموال شراء العملات الأجنبية، واصدار تعميمات بحظر التعامل مع بعض البنوك المحرمة دوليا، وتطبيق قانون كردستان لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في إقليم كردستان.

كما أصدر البنك المركزي العراقي ضوابط تنظيمية بناء على توصيات مجموعة العمل المالي ووجه البنوك باقتناء الأنظمة الإلكترونية للبنوك بشكل خاص لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإعداد دليل إجراءات التفتيش لموظفي البنك المركزي العراقي للاسترشاد به عند إجراء التفتيش على المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية إصدار الدليل رقم 1 لسنة 2017 المتعلق بالنقود

التصريح عند الدخول والخروج عبر الحدود العراقية واصدار استمارة حسابات موحدة ومحددة تشمل الحدود، اصدار استمارة حساب موحدة ومحددة تتضمن بند خاص يتعلق بالعملاء ذوي المخاطر العالية كالسياسيين وغيرهم، بحسب المحدد

التصنيفات.

مكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب

تأسس مكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب عام 2007 ضمن هيكلية البنك المركزي العراقي وتم إعادة تشكيله عام 2015 بعد صدور قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم (39) لسنة 2015. ومن المهام يتولى هذا المكتب رسم السياسات والبرامج الرقابية، وتطويرها ومتابعة تنفيذها، واقتراح مشاريع القوانين والأنظمة والتعليمات، وتطوير وسائل ومعايير الكشف عن غسل الأموال وأساليب تمويل الإرهاب، ومتابعتها وتعميمها، وإصدار الأنظمة التي تشمل حدود المبالغ النقدية والأدوات القابلة للتداول بغرض إدراجها في مراقبة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب ونشرها في الجريدة الرسمية.

لجنة تجميد أموال الإرهاب

تشكل هذه اللجنة في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، حيث تكون مسؤولة عن تجميد أموال الإرهابيين أو الأصول الأخرى للأشخاص الذين حددتهم لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة المنشأة بموجب قرارات مجلس الأمن إذا كانوا يعملون بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ميثاق الأمم المتحدة أو الذين تم تصنيفهم على المستوى الوطني أو بناء على طلب دولة أخرى بناء على الرسائل الرسمية الواردة. يتم نشر هذه القوائم وتحديثها بشكل مستمر لتتوافق مع قواعد مجموعة العمل المالي (FATF).

تشجيع الاستثمار الأجنبي في العراق

إن إعادة تصنيف العراق ضمن الدول القادرة على سداد الديون وليس لديها شبهات فساد أو غسيل أموال أو تغيير جنس الأموال، سيساهم في زيادة مستوى التصور الإيجابي لدى المستثمر الدولي تجاه البيئة العراقية، حيث أن النظام المصرفي المطلوب حاليا زيادة قدرتها على أن تكون جزءا من النظام المالي الدولي من خلال البنية التحتية على المستوى التطبيقي لنظم المعلومات أو من خلال النظام المحاسبي واعتماد معايير الإبلاغ الدولية حتى تتمكن البنوك العراقية من أن تصبح بسرعة جزءا من النظام المالي الدولي ويعتبر هذا القرار عاملاً مهماً لتسهيل نقل رؤوس الأموال والتحويلات المالية بين العراق والاتحاد الأوروبي، وهذا يؤثر إيجابياً في تشجيع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر من أوروبا، على أن تتوفر التسهيلات الأخرى مثل تسهيل الإجراءات ومنح تأشيرات الدخول.

فرص البنوك العراقية للتوسع في أوروبا

وستتحسن عملية النظرة الإيجابية للاقتصاد العراقي مع رفع العراق من القائمة السوداء، حيث يمكن للمصارف العراقية التي يديرها البنك المركزي العراقي حاليا فتح النوافذ لها من خلال الاتحاد الأوروبي لتسهيل مهمة متابعة حركة الأموال وكذلك عملية الحد من فتح الاعتمادات المستندية ودقة عملية تتبع الأموال والبضائع.

وتشير عملية رفع العراق من القائمة السوداء إلى أن إجراءات الالتزام التي اتبعها البنك المركزي العراقي تمكنت خلال الفترة الحالية من تحويل العراق من نظرة ملوثة بجزء من المخاطر إلى نظرة إيجابية، لأن مصارف العراق أصبحت الآن ملتزمة بالمعاملات البنك المركزي العراقي من خلال تتبع حركة الأموال. ما ينقصنا هو حركة تتبع البضائع الداخلة إلى الأراضي العراقية. وبالتالي فإن هذه البنوك ستساعد على فتح نافذة لعملية التعامل المباشر مع المستوردين، وسيكون لدينا نظام مالي معترف به، وسيتم تشجيع الاستثمار الدولي للقدوم إلى الأراضي العراقية.

الاستنتاجات

منذ تشكيل مكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ولجنة تجميد أموال الإرهاب ومتابعة إصدار الأنظمة المتعلقة بالشركات والبنوك والدول المحظور التعامل معها وتحديث الأنظمة الإلكترونية والعملية المصرفية ومتابعة المعايير الدولية في هذا المجال، مما أدى إلى رفع العراق من قائمة الدول ذات المخاطر العالية لاستيفاء كافة المعايير المطلوبة والمحددة من قبل مجموعة العمل المالي (FATF)

وبذلك يكون العراق قد تغلب على العديد من التحديات ويتطلع إلى التعاون البناء مع الاتحاد الأوروبي في المجالات كافة، وتذليل كافة العقبات التي تحول دون ذلك، لا سيما تلك المتعلقة برفع اسمه من القائمة الأوروبية للدول عالية الخطورة. إن قرار رفع اسم العراق من قائمة الدول ذات المخاطر العالية في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب سيؤدي إلى استقرار وتشجيع المعاملات المصرفية بين الأطراف للتعامل من داخل البلاد إلى الخارج. وبذلك سيتجنب النظام المصرفي والمالي العراقي التكاليف والمخاطر والقيود التي تعرض لها مع مراسليه في العالم، وخاصة بنوك الاتحاد الأوروبي، في إجراء المعاملات المصرفية والمالية المنتظمة.

اضافة الى توليد انعكاسات ايجابية على التصنيف الائتماني للعراق واحتمال وجود اعتراف دولي بالنظام المالي المصرفي والسماح للمصارف بفتح فروع لها في تلك الدول مما يؤدي الى زيادة دقة تتبع الاموال خارج البيئة العراقية ، وينعكس ذلك في خفض تكاليف الاستيراد.

لتفاصيل اكثر

زهراء ضياء